ليتني صهريج بارود..... من دوما اليوم


ليتني صهريج بارود.....
من دوما اليوم
عندما وصلت للإسعاف بعد حدوث الضربة بدقائق ومن بين الجموع الغفيرة أوقفني شخص "لا تدخل فالإسعاف لا يحتمل دخول أي شخص غير الجرحى" فيقول له شخص آخر "ادخله فهو طبيب"
وكم تمنيت أنني لم أنزل ولم أرى ما رأيت فهناك بحر من الدماء يسبح فيه كل من هو بالداخل من مصابين وأطباء وكادر طبي...
طبعاً تصل قيرمقك أصحابك بنظراتهم وكأنك أتيت لتخلصهم مما هم فيه وهم على يقين تام أنك وإياهم أصغر بكثير من هول المصيبة التي حلت بأهل الغوطة
ترى الجرحى الملقون على الأرض أكثر وأخطر بكثير ممن هم على الأسرة وكل واحد يستجمع ما بقي من قواه ليرفع يده أو ليأن أو يتألم كي يرسل لك برسالة أنني مصاب وأنت ممن اختارك الله لتسعفني أو لتتألم لعدم قدرتك على إسعافي...
وفي لحظة واحدة وعندما تدرك أنت وأصحابك أنكم وصلتم لنقطة العجز وقد بلغت القلوب الحناجر يأتيك صوت من الأعلى...
صوت تنصت له أنت وأصحابك عل هذا الصوت فيه ما يهدأ من هذه النفوس
"يا جماعة فضوا الإسعاف ضربت الطيارة مرة تانية وتالتة و... وعاشرة"
وتتوافد الإصابات تلو الإصابات ويرتقي الشهداء تلو الشهداء وتفرغ البرادات من الدم وتنفذ الأدوات الجراحية المعقمة وتنتهي أكياس السيروم وتعمل أنت وأصحابك وكأن الدنيا قد انتهت
وحتى الجرحى تنظر إليك نظرات المنعقد عليه الأمل وﻻ تفرغ من جريح حتى يرمقك آخر بأن أرجوك لا تنسى أنني أمانة برقبتك
فيمسكك جريح وقد أتيت لتسعف الجريح الذي بجانبه ويقول لك
"دكتور والله انا اجيت قبلو انا من اول ضربة طيارة وصلت"
وهنا تتنمنى أن تصبح ألف قطعة كل قطعة مع جريح أو أخ أو أم ثكلى أو أب مفجوع أو....
ويصيح زميلك الطبيب الذي يدك بيده من بدء توافد الإصابات
"تعال شوف ابن عمي يمكن مات بس ما حاسن آخد قرار فيه"
ويصيح آخر "دكتور تعال شوف هاد اللي فجرتولو صدرو يمكن مات"
وآخرون يسألونك "هاد اللي عم يتنفس من رقبتو بدو شي؟ فينا نساوليو شي؟"
وهنا يأتيك الأخوة الذين يحملون همك وهنا ننصت لصوت آخر
"في حالات ناخدها عالغوطة"
تشد همتك أن هناك من يشعر بك ويحمل همك لأن هذا الذي شعر بك قد أصابه يوما ما أصابك
"دكتور ساعدك بشي" التفت فإذا بطبيب العينية وقد أتى من الغوطة ليشاركك همك ويقدم واجبه الذي قسمه الله له
وكذلك طبيب الأطفال وكذلك طبيب العصبية و......
فكل واحد يرى في هؤلاء الجرحى أهله
طبعا ومما يشد من عزيمتك ويدفعك للاستمرار
هؤلاء الأشخاص الذين يرتدون الزي الأحمر ويطلقون على أنفسهم شباب الهلال الأحمر فلا همة تعلو فوق همتهم هم المحرك والدافع للاستمرار في كل لحظة من لحظات الكارثة
وبعد ساعات من الضربة تنظر للإسعاف وقد فرغت أرضه من المصابين ولم تفرغ أسرته فتشعر بأن الوضع قد استقر
وهنا انتهت لحظات اﻹسعاف وهنا تبدأ الكارثة
فالدفاع المدني بارك الله همتهم قد وثقوا أكثر من 100 شهيد
100 شخص فارقوا الحياة انتقلو الى باريهم يشكون من ظلمهم
100 عائلة فقدت على الأقل شخص واحد
100 امرأة فقدت إما ابنا او زوجا او اخا
100 رجل فقد ابنا او زوجا او ابا او اخا
غرف العمليات وفيها من الأطباء الذين أعياهم التعب وقد استقبلو أكثر من 70 عمل جراحي كبير خلال هذه الساعات القليلة
فقد مر عليهم من تقطعت امعاءه ومنهم من بترت ساقاه ومنهم من انفقأت عينه ومنهم من حز عنقه ومنهم ....
وهم بلباسهم الاخضر الملطخ بهذه الدماء الطاهرة
اما العناية المشددة والاستشفاء فلا تنتهي محنتها بهذه البساطة فهؤﻻء الجرحى إن أمضوا ساعات في الإسعاف والعمليات فإن إقامتهم بالعناية او الاستشفاء مديدة من أيام لأسابيع
ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا

0 Response to "ليتني صهريج بارود..... من دوما اليوم"

إرسال تعليق